كمقامر خسر كل شيء.. جاء الرئيس الأمريكي جورج بوش إلي المنطقة، محاولا تعويض خسارته الفادحة التي أضرت ببلاده وبشعوب ودول العالم المختلفة خلال السنوات التي قضاها في البيت الأبيض، وكرسها لتصدير الإرهاب إلي منطقة الشرق الأوسط والعالم.
يأتي بوش إلي المنطقة كضيف غير مرغوب فيه.. مكروه من كل شعوب الأمة العربية والإسلامية بعد أن ارتكب عبر إدارته وقواته أبشع الجرائم التي عانت المنطقة ويلاتها إبان السنوات الماضية..جاء الرئيس الأمريكي إلي المنطقة ليحاول دخول التاريخ في عامه الأخير في البيت الأبيض عبر اذلال حكام الأمة بعد أن أذل شعوبها، ليدفعهم إلي تبني آخر نزواته هذه المرة ضد إيران..فعلي مدي السنوات الماضية ارتكب بوش وإدارته أبشع الجرائم في بلادنا.. من العراق حيث السطو الإجرامي علي أرض الرافدين، وما أقدمت عليه قواته من أفعال لا أخلاقية مورست بحق المعتقلين الأبرياء في سجون أبو غريب والعديد من السجون الخاضعة لسلطات الاحتلال.. وإلي فلسطين حيث اطلق العنان لقوات الاحتلال الصهيوني لكي تواصل سياسات القتل والتصفية والابادة واحتلال ما تبقي من أراض جري زرعها بالمستوطنات وفي ظل تجاهل كامل لكافة حقوق العرب والفلسطينيين.
تخصص بوش الذي يفتح له حكام العرب أبواب بلادنا في شن الحروب، وفي سفك الدماء، ونشر الفوضي الدامية، وتفتيت البلاد العربية، واثارة الفتنة الطائفية والمذهبية في صفوفها تحت زعم نشر الديمقراطية والحرية.
جاء بوش إلي المنطقة في خطوة يائسة لإصلاح ما أفسدته سياسته الخارجية.. جاء ليسوق بضاعته الراكدة، وممارساته الفاشلة علي مدي سنوات عبر طرح العديد من الأهداف التي تشكل الملامح المعلنة للزيارة التي قادته وتقوده إلي كل من الكيان الصهيوني والأراضي الفلسطينية المحتلة والكويت والبحرين والامارات والسعودية ومصر، وقد تمتد إلي كل من العراق ولبنان.. والأهداف المعلنة للزيارة تتمحور في النقاط التالية:
أولا: رفع شعار تأكيد الالتزامات التي تم الإعلان عنها في مؤتمر أنابوليس، باعتبار أن ما جري في المؤتمر الذي عقد في نوفمبر الماضي كان بمثابة نقاش جدي لحث الإسرائيليين والفلسطينيين للبحث في شكل الدولة الفلسطينية المرتقبة، زاعما انه سيحث الجانبين علي اتخاذ قرارات صعبة وقاسية.
ثانيا: التباحث مع الاصدقاء والحلفاء حول التزام واشنطن باحلال السلام في الشرق الأوسط وذلك عبر مسارات ثلاثة، يتعلق الأول بوجود تصور لما يمكن أن يحدث ويدور الثاني حول مدي التزام الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بخطة خارطة الطريق، والثالث حول الالتزام ببناء مؤسسات الدولة الفلسطينية.
ثالثا: العمل من أجل وضع خطة أمنية إقليمية تتعلق بأمن المنطقة.. وسط تأكيدات بأن الهدف الاساسي لزيارة بوش للمنطقة هو السعي لحشد التأييد للسياسة الأمريكية لزيادة الضغط الدولي علي إيران.
وتعد المواجهة المرتقبة مع إيران هي محور جولة الرئيس جورج بوش وهو ما أكده في تصريحاته لصحيفة 'يديعوت أحرونوت' الإسرائيلية والتي أكد فيها أن جزءا من هدف جولته هو توضيح أن واشنطن مازالت تري إيران كتهديد، ملمحا إلي أن التقرير الذي أصدرته الاستخبارات الأمريكية وأوضح أن إيران أوقفت برنامجها النووي العسكري في العام ٣٠٠٢ لم يخفف حجم هذا التهديد.. أي أن الرئيس الأمريكي عازم علي المضي قدما في سياسة المواجهة مع إيران التي لايزال يعتبرها خطرا، برغم تقرير الاستخبارات الذي نزع الذرائع التي يرتكز عليها بوش في حملته ضد إيران.. وهو ما أكده أيضا في تصريحات أخيرة له حين قال إن أحد أهداف جولته هو أن يقول للناس أننا مستعدون لمساعدتكم إذا ما رغبتم في مساعدتنا لتعزيز الأمن خا صة أن إيران تشكل تهديدا.
وبلغة التهديد والوعيد ذاتها يتحدث بوش عن سوريا حين راح يوجه رسائل مباشرة حينا ومبطنة حينا آخر للمسئولين السوريين معتبرا أن علي السوريين أن يدعوا 'خيار سليمان' ويقصد ميشيل سليمان يمضي قدما.. وأنه - والكلام لبوش - وبعد أن فرضنا عقوبات علي سوريا سنبحث سبلا مختلفة لمواصلة توجيه الرسائل الصارمة، زاعما أنه لم يظهر لحد الآن أي استعداد لموقف بناء فيما يتعلق بلبنان، أو فيما يتعلق بالتعامل مع حماس، أو بوقف توجه الانتحاريين إلي العراق.
واعتبر بوش أن عدم سماح سوريا للرئاسة في لبنان بالمضي قدما أمر مزعج لما وصفه بالتجربة الديمقراطية الهامة في الشرق الأوسط، مؤكدا في الآن ذاته دعمه لرئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة، فيما اتهم سوريا بعدم التعاون.. ماضيا في لغة تهديدية واضحة وموجها حديثه إلي الرئيس السوري بشار الأسد بقوله: 'إذا ما أردت أن تظل معزولا فأمامك خيار.. هل تريد أن تكون معزولا أو أن تكون جزءا من العالم؟ ا لخيار متروك لك.. يمكنك الارتباط بأصدقاء محدودين كإيران أو أن تكون لديك علاقات أفضل مع الجيران في العالم.. الخيار متروك لك.. الخطوة الأولي هي أن تخلي الطريق أمام الانتخابات الرئاسية اللبنانية.. فلديهم مرشح جيد، والكثير من الناس وافقوا علي هذا الشخص، والآن تحتاج سوريا لإخلاء الطريق'.
هذه الرسائل التي يحملها بوش إلي المنطقة في مواجهة سوريا والتي ترتكز بشكل أساسي علي جملة الأوضاع المتداعية في لبنان فقدت فعاليتها بفعل البيان الذي أصدره وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الطارئ مساء السبت الماضي والذي أكدوا فيه بالاجماع وبمن فيهم الوفد السوري برئاسة وزير الخارجية وليد المعلم عن دعمهم التام لانتخاب العماد ميشيل سليمان رئيسا للجمهورية، وهو ما قد يدفع الرئيس بوش لإعلان ذرائع وحجج أخري لابقاء باب المواجهة والعداء مفتوحا ضد سوريا، وفي المقدمة من ذلك عملية ضبط الحدود ومنع المتسللين من الوصول إلي العراق رغم تصريحات كبار العسكريين الأمريكيين الذين أشادوا بفاعلية الدور السوري علي هذا الصعيد.
وإذا كان الرئيس الأمريكي قد بدأ جولته الأولي للمنطقة منذ وصوله للبيت الأبيض قبل ٧ سنوات بزيارة الكيان الصهيوني وأراضي السلطة الفلسطينية فإن تلك الزيارة التي تأتي وسط مناخ يشوبه التوتر بفعل تنصل الدولة العبرية من الالتزامات التي أقرها مؤتمر أنابوليس وشروعها في التوسع الاستيطاني وتصعيد هجماتها علي الناشطين في قطاع غزة.. من غير المتوقع أن تحدث اختراقا كبيرا في عملية التسوية كما صرح بذلك المفاوض الفلسطيني صا ئب عريقات، في ظل آمال تراود بعض قادة السلطة الفلسطينية بوقف التصعيد الإسرائيلي وتسهيل حياة الناس وفتح المؤسسات المغلقة في القدس، خاصة أن قضايا الاستيطان والعدوان الإسرائيلي تصدرت أجندة مباحثات بوش مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في رام الله.
وبعيدا عن الآمال التي يعلقها بعض قادة السلطة الفلسطينية من وراء زيارة بوش غير أن تلك الزيارة تشكل دعما واضحا لإسرائيل عبر عنه الرئيس الأمريكي في اكثر من مناسبة والذي تصفه الأوساط الإسرائيلية بالصديق الحقيقي لإسرائيل، والذي كان أول رئيس أمريكي اعترف بأن اسرائيل لن تستطيع العودة إلي حدود ٧٦٩١ وأنه لا يمكن تجاهل الواقع السكاني علي الأرض وأن اللاجئين الفلسطينيين لن يستطيعوا العودة إلي بلادهم.. وهو ما ترجمه الرئيس بوش في رسالته إلي شارون رئيس الوزراء السابق في ابريل ٤٠٠٢ والتي أجازها الكونجرس الامريكي بمجلسيه.
والأكثر من ذلك هو ما صرح به رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت الاثنين الماضي حين أشار إلي أن إسرائيل تري في زيارة الرئيس الأمريكي للقدس دعما أمريكيا لها في مواجهة إيران، ورأي أمام الكنيست 'أن هذه الزيارة لها من دون شك قيمة إعلان سياسي، ولها مدلول خاص بالنسبة للقضايا المرتبطة بجهود المجتمع الدولي وبعملنا نحن والولايات المتحدة لمنع إيران من أن تصبح قوة ذات قدرات عسكرية غير تقليدية'.
ولعل ذلك هو ما أكد عليه الرئيس بوش حين صرح للقناة الثانية بالتليفزيون الإسرائيلي أن الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل من دون تحفظات إذا ما تعرضت لهجوم إيراني، قائلا 'لو كنت إسرائيليا لأخذت تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد علي محمل الجد.. في اشارة للتهديدات المتكررة التي يطلقها نجاد بشأن إزالة 'إسرائيل' من علي الخارطة'.
أضف إلي كل ذلك ما صرح به بوش من أنه يعتبر أي هجوم إيراني علي 'إسرائيل' بمثابة اشعال لحرب عالمية جديدة.
وإذا كانت جولة بوش قد تمتد إلي بغداد لبحث عقد معاهدة طويلة الأمد بين العراق والولايات المتحدة وعلي خلفية إبرام إعلان المبادئ الأمريكية بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء العراقي العميل نوري المالكي فإن الموضوع الإيراني يشكل الهدف الاساسي وراء جولة بوش التي يؤكد خلالها تكريس تبعية العديد من الحكام العرب لسياسته.
وفي هذا السياق تشير معلومات مهمة إلي أن الطلب من البلدان العربية الصديقة والحليفة للولايات المتحدة بمنح التسهيلات اللازمة للإدارة الأمريكية حال اتخاذ قرار بشن الحرب علي إيران يشكل إحدي أهم القضايا محل الحوار مع الزعماء العرب.
وبحسب المعلومات فإن العديد من الجهات الرسمية في العالم العربي طلبت من حكامها عدم الانخراط في اللعبة الأمريكية ضد إيران، محذرة من العواقب الوخيمة التي ستصيب المنطقة جراء نشوب مثل هذه المواجهات، حيث ستكون منطقة الخليج والمنطقة العربية برمتها في مرمي النيران الإيرانية حال حدوث العدوان، وهو أمر سيصيب الاستقرار في المنطقة بهزات عنيفة لسنوات قادمة.
وجولة بوش التي ستقوده إلي مصر كمحطة أخيرة في السادس عشر من الشهر الجاري ينتظر أن تشتمل علي محادثات ساخنة تخيم عليها الأجواء الخلافية بين البلدين في ظل تنامي عدد من القضايا محل الجدل في علاقاتهما.
فقضية المعونة الأمريكية المقدمة لمصر والقرار الأخير الذي اتخذه مجلس النواب الأمريكي بتخفيض مائة مليون دولار من المعونة المقدمة لمصر استجابة لمطالب اللوبي الصهيوني في هذا الشأن أثارت ردود فعل غاضبة في الأوساط المصرية خاصة في ظل اصرار واشنطن علي ترديد الأكاذيب الاسرائيلية حول دور مصر في المساهمة بتهريب السلاح عبر الانفاق الممتدة بين الأراضي المصرية والفلسطينية عند منطقة الحدود.
وإذا كانت القاهرة قد أوضحت بجلاء وعبر اكثر من تصريح كان آخرها ما أعلنه الرئيس مبارك بنفسه عن كذب تلك المزاعم وعدم صحة الشريط المصور الذي وصفه بالمزور والذي يردد تلك المزاعم، فإن قضية ما يسمي بفرض الأجندة الديمقراطية تشكل واحدة من القضايا مثار الخلاف علي مائدة حوار الرئيس الأمريكي مع الرئيس مبارك في شرم الشيخ.
وكانت مصر قد أعربت في اكثر من مناسبة عن رفضها للسياسات الأمريكية وتدخلها الصارخ في الشأن الداخلي المصري، وتأليبها لبعض الأتباع ومروجي أفكارها علي وطنهم، واحتضان العديد منهم.. معتبرة أن من شأن ذلك زيادة مساحات الخلاف في سياسات البلدين.
وفي ضوء ذلك فإن تلك القضية وبما تشتمل عليه من استياء مصري واضح من السياسات الأمريكية تشكل أحد وجوه الخلاف في المباحثات المصرية الأمريكية.
وفي ضوء كل ذلك.. فإن جولة الرئيس الأمريكي جورج بوش للمنطقة تأتي كمحاولة لتكريس تبعية العديد من الأنظمة العربية للسياسة الأمريكية وهي إن كانت ترفع العديد من الشعارات حول القضايا التي تشغل العالم العربي إلا أن تسويق تلك القضايا لا يعدو كونه عملية 'بيع للأوهام' في ظل استمرار السياسات الأمريكية علي حالها، إن في العراق أو فلسطين أو لبنان أو في مواجهة سوريا أو غير ذلك.. أي أن الجولة التي يختتم بها بوش عامه الاخير في البيت الأبيض هي في نظر المراقبين رحلة لخداع الأصدقاء، وأن هدفها الحقيقي ينحصر في قرع طبول الحرب ضد إيران، وهو الهدف الذي تكرس له واشنطن بالتنسيق مع تل أبيب كل المجهودات الممكنة لتقريب ساعة الصفر للمواجهة مع إيران.
موضوع: '‬قرع طبول الحرب ضد إيران‮' 
الخميس يناير 17, 2008 6:24 am